سورة الزخرف - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزخرف)


        


{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11)}
فإن قلت: قوله: {لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ العزيز العليم} وما سرد من الأوصاف عقيبه إن كان من قولهم، فما تصنع بقوله: {فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} [الزخرف: 11] وإن كان من قول الله، فما وجهه؟ قلت: هو من قول الله لا من قولهم. ومعنى قوله: {لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ العزيز العليم} الذي من صفته كيت وكيت، لينسبنّ خلقها إلى الذي هذه أوصافه وليسندنه إليه. {بِقَدَرٍ} بمقدار يسلم معه البلاد والعباد، ولم يكن طوفاناً.


{وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14)}
و{الأزواج} الأصناف {مَا تَرْكَبُونَ} أي تركبونه.
فإن قلت: يقال: ركبوا الأنعام وركبوا في الفلك. وقد ذكر الجنسين فكيف قال ما تركبونه؟ قلت: غلب المتعدّي بغير واسطة، لقوّته على المتعدّي بواسطة، فقيل: تركبونه {على ظُهُورِهِ} على ظهور ما تركبونه وهو الفلك والأنعام. ومعنى ذكر نعمة الله عليهم: أن يذكروها في قلوبهم معترفين بها مستعظمين لها، ثم يحمدوا عليها بألسنتهم، وهو ما يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان إذا وضع رجله في الركاب قال: «بسم الله» فإذا استوى على الدابة قال: «الحمد لله على كل حال، سبحان الذي سخر لنا هذا...» إلى قوله: «لمنقلبون» وكبر ثلاثاً وهلل ثلاثاً. وقالوا: إذا ركب في السفينة قال: {بِسْمِ الله مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبّى لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [هود: 41] وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه رأى رجلاً يركب دابة فقال: سبحان الذي سخر لنا هذا. فقال: أبهذا أمرتم؟ فقال: وبم أمرنا؟ قال: أن تذكروا نعمة ربكم، كان قد أغفل التحميد فنبهه عليه. وهذا من حسن مراعاتهم لأداب الله ومحافظتهم على دقيقها وجليلها. جعلنا الله من المقتدين بهم، والسائرين بسيرتهم، فما أحسن بالعاقل النظر في لطائف الصناعات، فكيف بالنظر في لطائف الديانات؟ {مُقْرِنِينَ} مطيقين. يقال: أقرن الشيء، إذا أطاقه. قال ابن هرمة:
وَأَقْرَنْتُ مَا حَمَّلَتْنِي وَلَقَلَّمَا *** يُطَاقُ احْتِمَالُ الصَّدِّ يَا دَعْدُ وَالْهَجْرُ
وحقيقة (أقرنه): وجده قرينته وما يقرن به؛ لأنّ الصعب لا يكون قرينة للضعيف. ألا ترى إلى قولهم في الضعيف: لا يقرن به الصعبة. وقرئ {مقرنين} والمعنى واحد.
فإن قلت: كيف اتصل بذلك قوله: {وَإِنَّا إلى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ}؟ قلت: كم من راكب دابة عثرت به أو شمست أو تقحمت أو طاح من ظهرها فهلك، وكم من راكبين في سفينة انكسرت بهم فغرقوا؛ فلما كان الركوب مباشرة أمر مخطر، واتصالاً بسبب من أسباب التلف: كان من حق الراكب وقد اتصل بسبب من أسباب التلف أن لا ينسى عند اتصاله به يومه، وأنه هالك لا محالة فمنقلب إلى الله غير منفلت من قضائه، ولا يدع ذكر ذلك بقلبه ولسانه حتى يكون مستعداً للقاء الله بإصلاحه من نفسه، والحذر من أن يكون ركوبه ذلك من أسباب موته في علم الله وهو غافل عنه، ويستعيذ بالله من مقام من يقول لقرنائه: تعالوا نتنزه على الخيل أو في بعض الزوارق؛ فيركبون حاملين مع أنفسهم أواني الخمر والمعازف، فلا يزالون يسقون حتى تميل طلاهم وهم على ظهور الدواب، أو في بطون السفن وهي تجري بهم، لا يذكرون إلا الشيطان، ولا يمتثلون إلا أوامره. وقد بلغني أنّ بعض السلاطين ركب وهو يشرب من بلد إلى بلد بينهما مسيرة شهر، فلم يصح إلا بعدما اطمأنت به الدار، فلم يشعر بمسيره ولا أحس به، فكم بين فعل أولئك الراكبين وبين ما أمر الله به في هذه الآية. وقيل: يذكرون عند الركوب ركوب الجنازة.


{وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18)}
{وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا} متصل بقوله: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم} [الزخرف: 9] أي: ولئن سألتهم عن خالق السموات والأرض ليعترفن به، وقد جعلوا له مع ذلك الاعتراف من عباده جزءاً فوصفوه بصفات المخلوقين. ومعنى {مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا} أن قالوا الملائكة بنات الله، فجعلوهم جزءاً له وبعضاً منه، كما يكون الولد بضعة من والده وجزءاً له. ومن بدع التفاسير: تفسير الجزء بالإناث، وادعاء أنّ الجزء في لغة العرب: اسم للإناث، وما هو إلا كذب على العرب، ووضع مستحدث منحول، ولم يقنعهم ذلك حتى اشتقوا منه: أجزأت المرأة، ثم صنعوا بيتاً وبيتاً:
إنْ أَجْزَأَتْ حُرَّةٌ يَوْماً فَلاَ عَجَب *** زُوِّجْتُهَا مِنْ بَنَاتِ الأَوْسِ مُجْزِئَةً
وقرئ {جزؤوا} بضمتين {لَكَفُورٌ مُّبِينٌ} لجحود للنعمة ظاهر جحوده؛ لأنّ نسبة الولد إليه كفر، والكفر أصل الكفران كله {أَمِ اتخذ} بل اتخذ، والهمزة للإنكار: تجهيلاً لهم وتعجيباً من شأنهم، حيث لم يرضوا بأن جعلوا لله من عباده جزءاً، حتى جعلوا ذلك الجزء شر الجزأين: وهو الإناث دون الذكور، على أنهم أنفر خلق الله عن الإناث وأمقتهم لهنّ، ولقد بلغ بهم المقت إلى أن وأودهنّ، كأنه قيل: هبوا أنّ إضافة اتخاذ الولد إليه جائزة فرضاً وتمثيلاً، أما تستحيون من الشطط في القسمة؟ ومن ادعائكم أنه آثركم على نفسه بخير الجزأين وأعلاهما وترك له شرهما وأدناهما؟ وتنكير {بَنَاتٍ} وتعريف {البنين} وتقديمهنّ في الذكر عليهم لما ذكرت في قوله تعالى: {يَهَبُ لِمَن يَشَاء إناثا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذكور} [الشورى: 49] {بِمَا ضَرَبَ للرحمن مَثَلاً} بالجنس الذي جعله له مثلاً، أي: شبهاً لأنه إذا جعل الملائكة جزءاً لله وبعضاً منه فقد جعله من جنسه ومماثلاً له؛ لأن الولد لا يكون إلا من جنس الوالد، يعني: أنهم نسبوا إليه هذا الجنس. ومن حالهم أن أحدهم إذا قيل له: قد ولدت لك بنت اغتم واربدّ وجهه غيظاً وتأسفاً وهو مملوء من الكرب.
وعن بعض العرب: أن امرأته وضعت أنثى، فهجر البيت الذي فيه المرأة، فقالت:
مَا لأَبِي حَمْزَةَ لاَ يَأْتِينَا *** يَظَلُّ فِي الْبَيْتِ الَّذِي يَلِينَا
غَضْبَانُ أَنْ لاَ نَلِدَ الْبَنِينَا *** لَيْسَ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا مَاشِينَا
وَإِنَّمَا نَأْخُذُ مَا أُعْطِينَا ***
والظلول بمعنى الصيرورة، كما يستعمل أكثر الأفعال الناقصة بمعناها. وقرئ {مسودّ ومسوادّ} على أن في {ظَلَّ} ضمير المبشر، و{وَجْهُهُ مُسْوَدّاً} جملة واقعة موقع الخبر، ثم قال: أو يجعل للرحمن من الولد من هذه الصفة المذمومة صفته. وهو أنه {يُنَشَّأُ فِي الحلية} أي يتربى في الزينة والنعمة، وهو إذا احتاج إلى مجاثاة الخصوم ومجاراة الرجال، كان غير مبين، ليس عنده بيان، ولا يأتي ببرهان يحجُّ به من يخاصمه وذلك لضعف عقول النساء ونقصانهنّ عن فطرة الرجال، يقال: قلما تكلمت امرأة فأرادت أن تتكلم بحجتها إلا تكلمت بالحجة عليها. وفيه: أنه جعل النشء في الزينة والنعومة من المعايب والمذام، وأنه من صفة ربات الحجال، فعلى الرجل أن يجتنب ذلك ويأنف منه، ويربأ بنفسه عنه، ويعيش كما قال عمر رضي الله عنه: اخشوشنوا واخشوشبوا وتمعددوا. وإن أراد أن يزين نفسه زينها من باطن بلباس التقوى. وقرئ {ينشأ}، وينشأ ويناشأ. ونظير المناشأة بمعنى الإنشاء: المغالاة بمعنى الإغلاء.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8